يصور فيلم الخيال العلمي “كثيب 2” (Dune 2) بوضوح عالمًا تُمثل فيه ندرة المياه مصدر قلق بالغ، إذ يعرض الكوكب الصحراوي “أراكيس”، حيث تدور أحداث القصة، واقعًا قاسيًا تُعَد كل قطرة ماء فيه شيئًا ثمينًا. وقد ابتكر سكان الكوكب، المعروفون باسم “الفريمن”، أساليب متطورة للحفاظ على المياه مرسّخين بذلك هذا الحفاظ في ثقافتهم، ومن المثير للاهتمام أن هذه الممارسات تتوافق مع العديد من المبادئ المحافِظة على المياه، وتقدم دروسًا ثمينة لعالمنا الذي يواجه ندرة المياه وتغير المناخ.
بدلات التقطير والاستخدام الفعال للموارد
من أكثر الأشياء تميّزًا في فيلم كثيب بدلةُ التقطير، وهي لباس عالي الكفاءة مصمم لتجميع رطوبة الجسم. ترتدي شخصيات في الفيلم، مثل بول أتريدس والفريمن، هذه البدلات التي تجمع العرق والزفير وأنواعًا أخرى من رطوبة الجسم وتحوّلها إلى ماء صالح للشرب، وهذا يمثل ذروة كفاءة الموارد، وهو مبدأ يتوافق كثيرًا مع القيم المحافِظة المتمثلة في تجنب الهدر وتحقيق أقصى قدر من المنفعة.
في حياتنا الخاصة، يمكن أن يقلل استخدامُ تكنولوجيات عالية الكفاءة من هدر المياه إلى حد كبير، فيمكن لخطوات بسيطة، كتركيب رؤوس دش وحنفيات ذات تدفق منخفض للمياه، واستخدام أجهزة موفرة للمياه، والإصلاح الفوري للتسربات، أن تحدث فرقًا كبيرًا، وتشبه هذه التدابير مبدأ بدلة التقطير المتمثل في جمع كل قطرة مياه ممكنة والانتفاع بها مرة أخرى.
الانضباط المجتمعي في استهلاك المياه والمسؤولية الجماعية
تكشف المشاهدُ التي تعرض تجمع شعب الفريمن في كهوف (موائل تحت الأرض) بجلاء عن القواعد المجتمعية الصارمة التي يتبعونها في استخدام المياه، ويخضع تقاسم المياه لمعايير مجتمعية محددة بدقة، وهذا ما يؤكد المسؤولية الجماعية والدعم المتبادل، وهذا النهج يكشف عن المبادئ المحافِظة التي تعطي الأولوية للمجتمع والمسؤولية المشتركة في إدارة الموارد.
وفي المجتمعات الحديثة، يمكننا اعتماد ممارسات مماثلة بدعم المبادرات المحلية للحفاظ على المياه، والمشاركة في برامج التثقيف المجتمعي بشأن استخدام المياه، والدعوة إلى سياسات تعزز التوزيع العادل للمياه. وبالعمل معًا يمكننا ضمان الإدارة المستدامة والعادلة لمواردنا المائية.
نظام الجزية والإدارة المنظمة للمياه
في مشهد مؤثر من فيلم كثيب، تُجفَّف جثة محارب الفريمن الميت من مياهها التي تُضاف إلى احتياطات المجتمع من المياه. يضمن نظام جزية المياه هذا تجنب الهدر، ما يدل على النهج المنضبط والمنظم في إدارة الموارد، وتتوافق هذه الإدارة الدقيقة للموارد مع المبادئ المحافِظة مثل النظام والكفاءة.
ولتحقيق إدارة منظمة للمياه في حياتنا اليومية، يمكننا تتبع استخدامنا للمياه، ووضع أهداف شخصية أو منزلية للحفاظ عليها، ومراجعة عاداتنا وتعديلها بانتظام للحد من الهدر، ويمكن أن تؤدي الإدارة المنظمة لموارد المياه إلى توفير أكبر وإلى استخدام أكثر استدامةً لهذا المورد الحيوي.
التكيف البيئي والمعيشة المستدامة
يُعد تكيف شعب الفريمن مع بيئة أراكيس القاحلة عن طريق الممارسات المستدامة موضوعًا أساسيًا في فيلم كثيب، فهم يستخدمون أساليب مثل ضغط الرمال وتجميع الرطوبة لتحقيق ازدهار في الصحراء، وتؤكد هذه الممارسات على نهج محافظ للإشراف البيئي، مع التأكيد على الحاجة إلى عيش مستدام بما تُتيحه الطبيعة من وسائل.
وفي عالمنا يمكن تحقيق معيشة مستدامة بتهيئة المناظر الطبيعية المقاومة للجفاف (زراعة النباتات المقاومة للجفاف)، وجمع مياه الأمطار واستخدامها في الري، وتقليل الاستهلاك العام للمياه، وهذه الممارسات تُساعدنا على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة وضمان استدامة مواردنا المائية على المدى الطويل.
تكنولوجيا مصائد الرياح والابتكار في الموارد
يكشف فيلم كثيب عن مصائد رياح مبتكرة تجمع الرطوبة من الهواء وتكثفها، ما يُتيح لشعب الفريمن مصدرًا حيويًا للمياه، ويتوافق استخدام التكنولوجيا هذه في الحفاظ على الموارد مع القيم المحافِظة التي تعتمد الابتكار بغرض الحفاظ.
يمكننا الاقتداء بهذا المثال بدعم تكنولوجيات جديدة مصممة لتوفير المياه واعتمادها، كأنظمة الري الذكية التي تُحسّن من استخدام المياه وأنظمة إعادة تدوير المياه المستعملة التي تعيد استخدام مياه الأحواض والاستحمام لأغراض الري، فاعتماد الابتكار يمكن أن يقلل كثيرًا من أثرنا في المياه.
الانضباط في استهلاك المياه بصفته معيارًا ثقافيًّا ومسؤولية شخصية
يتميز المعيار الثقافي للانضباط في استهلاك المياه بتأصله العميق في مجتمع الفريمن، ومن المشاهد الجديرة بالذكر مشهدٌ يصور أحد شعوب الفريمن وهو يبصق على الأرض ليُبدي الاحترام، ويُظهر هذا الفعل التزامهم بالحفاظ على كل قطرة ماء، ويكشف عن تغلغل مبادئ الحفاظ على المياه في المعايير الثقافية، وهو ما يشبه وجهات النظر المحافِظة بشأن أهمية التقاليد والقيم.
ولتعزيز ثقافة الحفاظ على المياه، يمكننا البدء بتثقيف أنفسنا والآخرين عن أهمية ممارسات توفير المياه، فيمكن لعادات بسيطة أن تحدث تأثيرًا كبيرًا، مثل إغلاق الصنبور في أثناء تنظيف الأسنان، وتقليص زمن الاستحمام، واستخدام المكنسة بدلًا من خرطوم المياه لتنظيف الممرات، إذن يمكننا الإسهام في مستقبل أكثر استدامة بجعل الحفاظ على المياه جزءًا من روتيننا اليومي وقيمنا.
خاتمة
يُقدم فيلم كثيب نسيجًا غنيًا من الممارسات الموفِّرة للمياه التي لا تضمن بقاء شعب الفريمن فحسب، بل تتوافق أيضًا مع المبادئ المحافِظة مثل الكفاءة والمسؤولية المجتمعية والإدارة المنظمة والمعيشة المستدامة والابتكار. وفي ظل الندرة المتزايدة التي يواجهها عالمُنا في مجال المياه وتغير المناخ الذي يشهده، يمكن أن تُمثّل هذه الدروس المستفادة من فيلم كثيب مصدر إلهام لنا لاعتماد تدابير عملية بغرض الحفاظ على المياه في حياتنا اليومية.
يمكننا أن نُحدث تأثيرًا كبيرًا باستخدام تكنولوجيات فعالة، والمشاركة في الجهود المجتمعية، وإدارة استخدام المياه بعناية، والتكيف مع الظروف البيئية، واعتماد حلول مبتكرة، وتعزيز ثقافة الحفاظ على المياه، فكما حقق شعب الفريمن ازدهارًا في صحراء أراكيس القاسية بفضل نهجهم المجتمعي المنضبط في إدارة المياه، يمكننا نحن أيضًا ضمان مستقبل مستدام لكوكبنا باعتماد مبادئ وممارسات مماثلة.
تعتبر المياه جزءًا حيويًا من حياتنا، ولكن تغير المناخ اصبح واقعا يؤثرعلى وصولنا إلى إمدادات المياه الكافية. وبينما تتناقص مواردنا المائية، فإن تعدادنا السكاني يتزايد أيضًا. فوفقاً لتقرير البنك الدولي بعنوان "الملف القطري لمخاطر المناخ" المنشور في عام 2021، يبلغ عدد سكان مصر 100.3 مليون نسمة اعتبارًا من عام 2019، مع معدل نمو سكاني سنوي قدره 2.0٪ ومن المتوقع أن يصل إلى 120.8 مليون نسمة بحلول عام 2030 و159.9 مليون نسمة بحلول عام 2050 وبالتالي سيؤدي هذا ا>لنمو السكاني إلى تفاقم المشكلة بشكل أكبر.
نهر النيل يتضرر بشدة من التلوثمن المعروف أن هيرودوت، المؤرخ اليوناني القديم الذي يعتبر "أبو التاريخ"، أطلق على مصر لقب "هبة النيل" وقد اعتمدت الدولة القديمة تاريخياً على نهر النيل لبناء حضارتها الرائعة، وحتى يومنا هذا يظل النيل مصدرها الرئيسي لإمدادات المياه.
رغم أن استخدام المياه للأغراض المنزلية يتراوح بين 8-10% فقط من إجمالي استهلاك المياه في العالم، إلا أنه في دول تُصنّف كدول تُعاني من الإجهاد المائي مثل مصر والمغرب، فإن كل قطرة ماء تساوي حياة، في مصر على سبيل المثال تستهلك البلاد قرابة 5.5 مليار متر مكعب من المياه للأغراض المنزلية، بينما تستهلك المغرب لأغراض الشرب والسياحة والصناعة قرابة 1.7 مليار متر مكعب وهذه كميات هائلة من المياه.
شارك أكثر من عشرين طالبًا من طلاب المدارس التقنية في حلقة نقاش من تنظيم الاتحاد الأوروبي في أحد حواراته بشأن المناخ يوم 18 أبريل 2024 في أثناء معرض إيدوتك بالعاصمة المصرية القاهرة، وكان الهدف من حلقة النقاش رفعَ مستوى الوعي بين الشباب بشأن التغير المناخي الذي يهدد قطاع المياه في مصر ويستنزف الموارد المائية، بوصف الحلقة جزءًا من حملة أوسع لخلق توعية بتحديات ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ. وتحث الحملة الشباب أيضًا على اتخاذ إجراءات بتغيير أنماط استهلاكهم اليومي للمياه.
يصور فيلم الخيال العلمي “كثيب 2” (Dune 2) بوضوح عالمًا تُمثل فيه ندرة المياه مصدر قلق بالغ، إذ يعرض الكوكب الصحراوي “أراكيس”، حيث تدور أحداث القصة، واقعًا قاسيًا تُعَد كل قطرة ماء فيه شيئًا ثمينًا. وقد ابتكر سكان الكوكب، المعروفون باسم “الفريمن”، أساليب متطورة للحفاظ على المياه مرسّخين بذلك هذا الحفاظ في ثقافتهم، ومن المثير للاهتمام أن هذه الممارسات تتوافق مع العديد من المبادئ المحافِظة على المياه، وتقدم دروسًا ثمينة لعالمنا الذي يواجه ندرة المياه وتغير المناخ.
وضعت الأمم المتحدة خطّةً طموحةّ في 2015 تُدعى "أهداف التنمية المستدامة" تشمل 17 هدفاً رئيسياً تسعى المنظمة لتحقيقها بحلول 2030