وضعت الأمم المتحدة خطّةً طموحةّ في 2015 تُدعى "أهداف التنمية المستدامة" تشمل 17 هدفاً رئيسياً تسعى المنظمة لتحقيقها بحلول 2030. وينصّ الهدف رقم 6 على "ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع" ورغم إحراز بعض التقدم الملحوظ، إلا أن الإجهاد المائي وندرة المياه لا يزالان يُشكِّلان مصدر قلق في أجزاء كثيرة من العالم.
فاليوم يعيش أكثر من ملياري شخص في بلدان لا تتوفر فيها إمدادات كافية من المياه، ومن الممكن أن يضطر أكثر من 700 مليون شخص إلى الهجرة بسبب الإجهاد المائي الشديد في 2030, ووفقاً لتقرير أعدّته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في 2019، فإن 85,700 طفل يموتون سنوياً بسبب عدوى الإسهال المرتبطة بالمياه غير الآمنة وعدم توافر مرافق صرف صحي ملائمة.
مع ذلك، حقّقت بعض الابتكارات المثيرة للإعجاب بعض التقدم في إتاحة مياه الشرب المُحلاة بتكلفة زهيدة للمجتمعات المحلية في أجزاء مختلفة من العالم، تعرّف في السطور التالية على بعض من أكثرها تأثيراً.
تحلية مياه البحر في المغرب
يعتمد المغرب بشكل كبير على مياه الأمطار لأغراض الشرب والريّ، لكن هذه الإمدادات ليست مضمونةً في كل السنوات، مما يؤثر على قطاع الزراعة الحيوي في البلاد، لهذا تُسرّع الحكومة خططها لإنشاء محطات تحلية مياه البحر لتوفير إمدادات المياه للأغراض المنزلية على نحو خاص. يمتلك المغرب حالياً 14 محطة لتحلية مياه البحر بطاقة تصل إلى 192 مليون متر مكعب سنوياً، ويستهدف الوصول بهذا العدد إلى 36 محطة.
تُعدّ الأنظمة الصغيرة اللامركزية العاملة بالطاقة الشمسية طريقةً فعّالةً لتوفير المياه العذبة للمجتمعات الريفية، وهذا ما قامت به شركة أبينغوا الإسبانية التي بدأت في 2015 بناء محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة الشمسية في مدينة أغادير وانتهت منها في 2022، المحطة التي تُنتِج 100 ألف متر مكعب من الماء يومياً قادرة على توفير المياه النظيفة لأكثر من 500 ألف شخص في المنطقة.
تستخدِم المحطة تقنيات الترشيح الفائق والتناضح العكسي لتحلية مياه البحر، وتستخدم مبادلات ضغط لاستعادة الطاقة مما يخفض الطاقة اللازمة لتشغيل المحطة بنحو 43% مقارنةً بالمحطات الشبيهة.
تحلية مياه البحر في مصر
رغم أن نهر النيل، ثاني أطول أنهار العالم، يقطع مصر من جنوبها إلى شمالها، إلا أن الدولة الواقعة شمال شرق أفريقيا تُعاني من الإجهاد المائي، فقد بلغ نصيب الفرد من المياه في 2018 نحو 570 متر مكعب فقط، وهذا الرقم مُرشّح للانخفاض نتيجة النموّ السكاني والجفاف والتغيرات المناخية.
وتعمل الحكومة المصرية على خطة طويلة الأمد لتحلية مياه البحر تستهدف إنشاء محطات جديدة قادرة على تحلية 9 مليون متر مكعب من المياه يومياً بحلول 2050 حيث يُتوقّع وصول عدد السكان إلى 160 مليون نسمة. تتركّز غالبية المحطات الجاري والمُزمع إنشاؤها في المُدُن الجديدة على ساحلي البحر الأحمر والبحر المتوسط.
مشروع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتحلية مياه البحر
يعكف مهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع باحثين من الصين على ابتكار جهاز بحجم حقيبة صغيرة لتحلية مياه البحر يعمل بالطاقة الشمسية المباشرة بطريقة مشابهة للدّورة الحرارية الملحية التي تحدث في المحيط بشكل طبيعي، يُقدّر الباحثون أن يتمكّن الجهاز من تحلية من 4 إلى 6 لترات من المياه في الساعة وأن يستمر في العمل لعدّة سنوات دون الحاجة إلى قطع غيار، ما يجعله مناسباً للاستخدام في المناطق النائية.
التحدي الرئيسي الذي تواجهه أنظمة تحلية المياه التي تستخدم آلية الفتيل هو مشكلة تراكم الملح، الذي يُقلّل تدريجياً من كفاءة النظام مع الوقت. لكن باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والصين وجدوا حلاً لهذه المشكلة، وقدّموا نظاماً أكثر كفاءةً وأقل تكلفةً مقارنةً بالمحاولات السابقة. يُقدّر الفريق أن تكلفة المواد اللازمة لإنتاج جهاز يغطي متراً مربعاً واحداً تبلغ 4 دولارات فقط.
بحسب هادي قاسمي، أستاذ الهندسة الكيميائية والبيولوجية الجزيئية، فإن هذا النظام الجديد "يُقدّم مساراً واعداً وفعالاً لتحلية المحاليل عالية الملوحة".
على الرغم من عدم وجود جدول زمني مُحدّد لطرح هذا الجهاز تجارياً، إلا أن العلماء يعملون بجدّ على تحسينه ويتوقعون توفره في غضون بضع سنوات.
جمع الماء من الرطوبة الجوية
تستخدم العديد من المجتمعات الصحراوية طرقاً بدائيةً لجمع الماء من الرطوبة الموجودة في الجو على الأسطح الباردة، يتكثّف الضباب بشكل طبيعي إذا ما توافرت ظروف جويّة مناسبة، مثل وجود مستوى مرتفع من الرطوبة ووجود تيارات بحرية باردة، ومن الممكن تعديل تلك الأساليب لجعلها أكثر فاعليةً عن طريق استخدام الشبكات العمودية التي ينساب الماء المُتكثَّف عليها إلى الأسفل بفعل الجاذبية نحو حوض صغير. تلك التقنية لا تناسب جميع البيئات بطبيعة الحال، وهي غير مناسبة لإنتاج كميات كبيرة من المياه، لكنها قد تكون حلاً ممتازاً في حالات الطوارئ عندما تكون الظروف مواتيةًً لتكثّف الماء.
الخلاصة، في عالم يُعاني من مشكلات ندرة المياه نتيجة عدم توافر مصادر كافية للمياه بالقرب من التجمعات السكانية، والتغير المناخي، وارتفاع معدلات التصحّر، تصبح الحلول المبتكرة لتأمين إمدادات المياه للمجتمعات المحرومة من المياه النظيفة حاجةً ملحةً وليست ترفاً. وقد ناقشنا جهود كل من المغرب ومصر في إنشاء محطات التحلية لسدّ احتياجات مجتمعاتها من المياه، واستعرضنا مشروع معهد ماساتشوستس الذي يستهدف إنتاج جهاز تحلية مياه متنقّل يمكنه مساعدة المجتمعات المنعزلة في تأمين احتياجاتها من المياه، وأخيراً تطرّقنا إلى التقنية الواعدة لجمع الماء من الرطوبة الجوية.
رغم ذلك، يجب أن تكون هذه التغييرات مصحوبةً بأنماط استهلاك مسؤولة من قبل كل من الأسر والقطاع التجاري، وأيضاً بجهود دؤوبة لرفع مستوى الوعي، إضافةً إلى الإدارة المسؤولة بين البلدان المتجاورة للموارد المائية الطبيعية المُشتركة مثل الأنهار.
تعتبر المياه جزءًا حيويًا من حياتنا، ولكن تغير المناخ اصبح واقعا يؤثرعلى وصولنا إلى إمدادات المياه الكافية. وبينما تتناقص مواردنا المائية، فإن تعدادنا السكاني يتزايد أيضًا. فوفقاً لتقرير البنك الدولي بعنوان "الملف القطري لمخاطر المناخ" المنشور في عام 2021، يبلغ عدد سكان مصر 100.3 مليون نسمة اعتبارًا من عام 2019، مع معدل نمو سكاني سنوي قدره 2.0٪ ومن المتوقع أن يصل إلى 120.8 مليون نسمة بحلول عام 2030 و159.9 مليون نسمة بحلول عام 2050 وبالتالي سيؤدي هذا ا>لنمو السكاني إلى تفاقم المشكلة بشكل أكبر.
نهر النيل يتضرر بشدة من التلوثمن المعروف أن هيرودوت، المؤرخ اليوناني القديم الذي يعتبر "أبو التاريخ"، أطلق على مصر لقب "هبة النيل" وقد اعتمدت الدولة القديمة تاريخياً على نهر النيل لبناء حضارتها الرائعة، وحتى يومنا هذا يظل النيل مصدرها الرئيسي لإمدادات المياه.
رغم أن استخدام المياه للأغراض المنزلية يتراوح بين 8-10% فقط من إجمالي استهلاك المياه في العالم، إلا أنه في دول تُصنّف كدول تُعاني من الإجهاد المائي مثل مصر والمغرب، فإن كل قطرة ماء تساوي حياة، في مصر على سبيل المثال تستهلك البلاد قرابة 5.5 مليار متر مكعب من المياه للأغراض المنزلية، بينما تستهلك المغرب لأغراض الشرب والسياحة والصناعة قرابة 1.7 مليار متر مكعب وهذه كميات هائلة من المياه.
شارك أكثر من عشرين طالبًا من طلاب المدارس التقنية في حلقة نقاش من تنظيم الاتحاد الأوروبي في أحد حواراته بشأن المناخ يوم 18 أبريل 2024 في أثناء معرض إيدوتك بالعاصمة المصرية القاهرة، وكان الهدف من حلقة النقاش رفعَ مستوى الوعي بين الشباب بشأن التغير المناخي الذي يهدد قطاع المياه في مصر ويستنزف الموارد المائية، بوصف الحلقة جزءًا من حملة أوسع لخلق توعية بتحديات ندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ. وتحث الحملة الشباب أيضًا على اتخاذ إجراءات بتغيير أنماط استهلاكهم اليومي للمياه.
يصور فيلم الخيال العلمي “كثيب 2” (Dune 2) بوضوح عالمًا تُمثل فيه ندرة المياه مصدر قلق بالغ، إذ يعرض الكوكب الصحراوي “أراكيس”، حيث تدور أحداث القصة، واقعًا قاسيًا تُعَد كل قطرة ماء فيه شيئًا ثمينًا. وقد ابتكر سكان الكوكب، المعروفون باسم “الفريمن”، أساليب متطورة للحفاظ على المياه مرسّخين بذلك هذا الحفاظ في ثقافتهم، ومن المثير للاهتمام أن هذه الممارسات تتوافق مع العديد من المبادئ المحافِظة على المياه، وتقدم دروسًا ثمينة لعالمنا الذي يواجه ندرة المياه وتغير المناخ.
وضعت الأمم المتحدة خطّةً طموحةّ في 2015 تُدعى "أهداف التنمية المستدامة" تشمل 17 هدفاً رئيسياً تسعى المنظمة لتحقيقها بحلول 2030